كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ونزل في أبي جهل وصاحبه:
{إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا} أي: بأن تضم إليها الأيدي؛ لأن الغل يجمع اليد إلى العنق، وذلك أن أبا جهل كان قد حلف لئن رأى محمدًا صلى الله عليه وسلم يصلي ليرضخن رأسه، فأتاه وهو يصلى ومعه حجر ليدمغه به فلما رفعه أثبتت يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده إلى عنقه، فلما رجع إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر فقال رجل من بني مخزوم: أنا أقتله بهذا الحجر فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر فأعمى الله تعالى بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: ما رأيته ولقد سمعت كلامًا وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه ولو دنوت منه لأكلني، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ووجه المناسبة لما تقدم أنه لما قال تعالى: {لقد حق القول على أكثرهم} وتقدم أن المراد به البرهان وقال بعد ذلك: بل عاينوا وأبصروا ما يقرب من الضرورة حيث التزقت يده بعنقه، ومنع من إرسال الحجر وهو مضطر إلى الإيمان ولم يؤمن علم أنه لا يؤمن أصلًا، وقال أهل المعاني: هذا على طريق المثل ولم يكن هناك غل، أراد منعناهم عن الإيمان بموانع، فجعل الأغلال مثلًا لذلك فهو تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا تغني عنهم الآيات والنذر بتمثيلهم بالذين غلت أيديهم.
وقال الفراء: معناه حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله كقوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك}.
معناه: ولا تمسكها عن النفقة، ومناسبة هذا لما تقدم أن قوله تعالى: {فهم لا يؤمنون} يدخل فيه أنهم لا يصلون لقوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}.
أي: صلاتكم عند بعض المفسرين والزكاة مناسبة للصلاة فكأنه قال: لا يصلون ولا يزكون، واختلف في عود الضمير في قوله تعالى: {فهي إلى الأذقان} على وجهين: أشهرهما: أنه عائد على الأغلال؛ لأنها هي المحدث عنها، ومعنى هذا الترتيب بالفاء أن الغل لغلظه وعرضه يصل إلى الذقن؛ لأنه يلبس العنق جميعه، قال الزمخشري: والمعنى أنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا ثقالًا بحيث تبلغ إلى الأذقان فلم يتمكن المغلول معها من أن يطأطئ رأسه.
ثانيهما: أن الضمير يعود إلى الأيدي، وإليه ذهب الطبري وعليه جرى الجلال المحلي؛ لأن الغل لا يكون إلا في العنق واليدين، ودل على الأيدي وإن لم تذكر الملازمة المفهومة من هذه الآلة أعني الغل. وقرأ قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء، والباقون بكسرها والأذقان جمع ذقن وهو مجمع اللحيين {فهم مقمحون} أي: رافعون رءوسهم غاضون أبصارهم في أنهم لا يلتفتون لفتة إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطؤن رءوسهم له، والإقماح رفع الرأس إلى فوق كالإقناع وهو من قمح البعير رأسه إذا رفعها بعد الشرب إما لبرودة الماء، وإما لكراهة طعمه.
ولما كان الرافع رأسه غير ممنوع من النظر أمامه قال تعالى: {وجعلنا} أي: بعظمتنا {من بين أيديهم} أي: الوجه الذي يمكنهم عمله {سدًا} فلا يسلكون طريق الاهتداء.
ولما كان الإنسان إذا انسدت عليه جهة مال إلى أخرى قال تعالى: {ومن خلفهم} أي: الوجه الذي هو خفي عنهم {سدًا} فلا يرجعون إلى الهداية فصارت كل جهة يلتفتون إليها منسدة فصاروا لذلك لا يمكنهم النظر إلى الحق، ولا الخلوص إليه، فلذلك قال تعالى: {فأغشيناهم} أي: جعلنا على أبصارهم بما لنا من العظمة غشاوة {فهم} أي: بسبب ذلك {لا يبصرون} أي: لا يتجدد لهم هذا الوصف من إبصار الحق وما ينفعهم بصر ظاهر ولا بصيرة باطنة، وأيضًا الإنسان مبدؤه من الله تعالى ومصيره إليه فعمى الكافرين بأن لا يبصروا ما بين أيديهم من المصير إلى الله تعالى، وما خلفهم من الدخول في الوجود بخلق الله تعالى كمن أحاط بهم سد فغطى أبصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم في أنهم محبوسون في مطمورة الجهالة ممنوعون عن النظر في الآيات والدلائل، وأيضًا فإن السالك إذا لم يكن له بد من سلوك طريق فإن انسد الطريق الذي قدامه يفوته المقصد ولكنه يرجع، فإذا انسد الطريق من خلفه ومن قدامه والموضع الذي هو فيه لا يكون موضع إقامته هلك.
فإن قيل: ذكر السد من بين الأيدي ومن الخلف ولم يذكره من اليمين والشمال فما الحكمة في ذلك؟
أجيب: بأنهم إذا قصدوا السلوك إلى جانب اليمين أو جانب الشمال صاروا متوجهين إلى شيء ومولين عن شيء فصار ما إليه توجههم ما بين أيديهم، فيجعل الله تعالى السد هناك فيمنعه من السلوك فكيفما توجه الكافر يجعل الله تعالى بين يديه سدًا، وقرأ حمزة والكسائي وحفص {سدًا} بفتح السين في الموضعين وهو لغة فيه، والباقون بالضم.
ولما منعوا بذلك حس البصر أخبر عن حس السمع بقوله تعالى: {وسواء عليهم} أي: مستو ومعتدل غاية الاعتدال {أأنذرتهم} أي: بما أخبرناك به من الزواجر المانعة للكفر {أم لم تنذرهم لا يؤمنون} لأنهم ممن علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون، وقد سبق أيضًا في البقرة تفسيره والكلام على الهمزتين، ثم بين الله تعالى الأقل الناجي؛ لأنه المقصود بالذات بقوله تعالى: {إنما تنذر} أي: إنذارًا ينفع المنذر فتتأثر عنه النجاة {من اتبع الذكر} أي: القرآن بالتأمل فيه والعمل به {وخشي الرحمن} أي: خاف عقابه {بالغيب} أي: قبل موته ومعاينة أهواله أو في سريرته ولا يغتر برحمته فإنه تعالى كما هو رحمن رحيم منتقم جبار {فبشره} أي: بسبب خشيته بالغيب {بمغفرة} أي: لذنوبه وإن عظمت وتكررت.
ولما حصل العلم بمحو الذنوب عينها وأثرها قال تعالى: {وأجر كريم} أي: هو الجنة فإنها دار لا كدر فيها بوجه، والمقصود منها هو النظر لوجهه الكريم، اللهم متعنا ومحبينا بالنظر إلى وجهك الكريم.
ولما ذكر تعالى خشية الرحمن بالغيب ذكر ما يؤكده وهو إحياء الموتى بقوله تعالى: {إنا نحن} أي: بما لنا من العظمة التي لا تضاهى {نحيي الموتى} أي: كلهم حسًّا بالبعث، ومعنى بالإنقاذ إذا أردنا من ظلمة الجهل {ونكتب} أي: جملة عند نفخ الروح وشيئًا فشيئًا بعده فلا يتعدى التفصيل شيئًا في ذلك الإجمال {ما قدموا} أي: وأخروا من جميع أفعالهم وأقوالهم وأحوالهم من صالح وغيره فاكتفى بأحدهما لدلالة الآخر عليه كقوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر} أي: والبرد.
وقيل المعنى: ما أسلفوا من الأعمال صالحة كانت أو فاسدة كقوله تعالى: {بما قدمت أيديهم} أي: بما قدموا في الوجود وأوجدوه، وقيل: نكتب نياتهم فإنها قبل الأعمال وقوله تعالى: {وآثارهم} فيه وجوه: أحدها: وهو مبني على التفسير الأخير، وهو كتب النيات المراد بالآثار: الأعمال.
ثانيها: ما سنوا من سنة حسنة وسيئة، فالحسنة كالكتب المصنفة والقناطر المبنية، والسيئة كالظلامات المستمرة التي وضعتها الظلمة والكتب المضلة قال صلى الله عليه وسلم «من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها من بعده كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا».
ثالثها: خطاهم إلى المساجد لما روى أبو سعيد الخدري قال: شكت بنو سلمة بعد منازلهم عن المسجد فأنزل الله تعالى: {ونكتب ما قدموا وآثارهم} فقال صلى الله عليه وسلم «إن الله يكتب خطواتكم ومشيكم ويثيبكم عليها» وقال صلى الله عليه وسلم «أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم مشيًا والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصلي ثم ينام»، فإن قيل: الكتابة قبل الإحياء فكيف أخر في الذكر حيث قال تعالى: {نحيي الموتى ونكتب} ولم يقل نكتب ما قدموا ونحييهم؟
أجيب: بأن الكتابة معظمة لأمر الإحياء؛ لأن الإحياء إن لم يكن للحساب لا يعظم، والكتابة في نفسها إن لم يكن هناك إحياء ولا إعادة لا يبقى لها أثر أصلًا، والإحياء هو المعتبر والكتابة مؤكدة معظمة لأمره فلهذا قدم الإحياء؛ لأنه تعالى قال: {إنا نحن} وذلك يفيد العظمة والجبروت، والإحياء العظيم يختص بالله تعالى والكتابة دونه تقرير التعريف الأمر العظيم وذلك مما يعظم ذلك الأمر العظيم.
ولما كان ذلك الأمر ربما أوهم الاقتصاد على ما ذكر من أحوال الآدميين دفع ذلك بقوله تعالى: {وكل شيء} من أمور الدنيا والآخرة {أحصيناه} أي: قبل إيجاده بعلمنا القديم إحصاء وحفظًا وكتبناه {في إمام} وهو اللوح المحفوظ {مبين} أي: لا يخفى فيه شيء من جميع الأحوال والأقوال فهو تعميم بعد تخصيص؛ لأنه تعالى يكتب ما قدموا وآثارهم وليست الكتابة مقتصرة عليه بل كل شيء محصي في إمام مبين، وهذا يفيد أن شيئًا من الأقوال والأفعال لا يعزب عن علم الله تعالى ولا يفوته كقوله تعالى: {وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر} يعني ليس ما في الزبر منحصرًا فيما فعلوه بل كل شيء مكتوب لا يبدل، فإن القلم جف بما هو كائن فلما قال تعالى: {نكتب ما قدموا} بين أن قبل ذلك كتابة أخرى، فإن الله تعالى كتب عليهم أنهم سيفعلون كذا وكذا، ثم إذا فعلوا كتب عليهم أنهم فعلوه، قيل: إن ذلك مؤكد لمعنى قوله تعالى: {ونكتب} لأن من يكتب شيئًا في أوراق ويرميها قد لا يجدها فكأنه لم يكتب فقال تعالى: نكتب ونحفظ ذلك في إمام مبين وهو كقوله تعالى: {علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى} وقوله سبحانه وتعالى: {واضرب} بمعنى واجعل {لهم} وقوله تعالى: {مثلًا} مفعول أول، وقوله تعالى: {أصحاب} مفعول ثان والأصل: واضرب لهم مثلًا مثل أصحاب {القرية} فترك المثل وأقيم الأصحاب مقامه في الإعراب كقوله تعالى: {واسأل القرية}.
قال الزمخشري: وقيل لا حاجة إلى الإضمار بل المعنى: اجعل أصحاب القرية لهم مثلًا، أو مثل أصحاب القرية بهم قال المفسرون: المراد بالقرية أنطاكية وقوله تعالى: {إذ جاءها} إلخ بدل اشتمال من أصحاب القرية أي: إذ جاء أهلها {المرسلون} أي: رسل عيسى عليه السلام وإضافة إلى نفسه في قوله تعالى: {إذ أرسلنا إليهم اثنين} لأنه فعل رسوله عليه السلام {وإذ أرسلنا} إلخ بدل من إذ الأولى، وفي هذا لطيفة وهي أن في القصة أن الرسل كانوا مبعوثين من جهة عيسى عليه السلام أرسلهم إلى أنطاكية فقال تعالى: إرسال عيسى عليه السلام هو إرسالنا ورسول رسول الله بإذن الله رسول الله فلا تفهم يا محمد أن أولئك كانوا رسل الرسول وإنما هو رسل الله تعالى، فتكذيبهم كتكذيبك فتتم التسلية بقوله تعالى: {إذ أرسلنا} ويؤيد هذا مسألة فقهية وهي أن كل وكيل للوكيل بإذن الموكل عند الإطلاق وكيل الموكل لا وكيل الوكيل حتى لا ينعزل بعزل الوكيل إياه، وينعزل إذا عزله الموكل الأول.
تنبيه:
في بعث الاثنين حكمة بالغة وهي أنهما كانا مبعوثين من جهة عيسى عليه السلام بإذن الله تعالى، فكان عليهما إنهاء الأمر إليه والإتيان بما أمر الله تعالى، والله سبحانه عالم بكل شيء لا يحتاج إلى شاهد يشهد عنده، وأما عيسى عليه السلام فبشر فأمر الله تعالى بإرسال اثنين ليكون قولهما على قومهما عند عيسى عليه السلام حجة ثابتة، وقرأ أبو عمرو بكسر الهاء والميم في الوصل، وحمزة والكسائي بضمهما، والباقون بكسر الهاء وضم الميم وأما الوقف فحمزة بضم الهاء، والباقون بكسرها، والجميع في الوقف بسكون الميم.
{فكذبوهما} أي: مع ما لهما من الآيات؛ لأن من المعلوم أنا ما أرسلنا رسولًا إلا كان معه من الآيات ما مثله آمن عليه البشر سواء أكان عنا من غير واسطة، أو كان بواسطة رسولنا كما كان للطفيل بن عمرو الدوسي ذي النورين لما ذهب إلى قومه وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون له آية فكانت نورًا في جبهته، ثم سأل أن تكون في غير وجهه فكانت في سوطه.
ولما كان المتظافر على الشيء أقوى لشأنه وأعون على ما يراد منه تسبب عن ذلك قوله تعالى: {فعززنا} أي: قوينا {بثالث} يقال: عزز المطر الأرض أي: قواها ولبدها ويقال لتلك الأرض العزاز وكذا كل أرض صلبة، وتعزز لحم الناقة أي: صلب وقوي والمفعول محذوف أي: فقويناهما بثالث، أو فغلبناهما بثالث؛ لأن المقصود من البعثة نصرة الحق لا نصرتهما، والكل كانوا مقوين للدين بالبرهان قال وهب: اسم المرسلين يحيى ويونس، واسم الثالث شمعون، وقال كعب: الرسولان صادق ومصدوق والثالث: سلوم، وقرأ شعبة بتخفيف الزاي الأولى، والباقون بتشديدها والزاي الثانية ساكنة بلا خلاف.
{فقالوا إنا إليكم مرسلون} وذلك أنهم كانوا عبدة أصنام فأرسل إليهم عيسى عليه السلام اثنين فلما قربا من المدينة رأيا حبيبًا النجار يرعى غنمًا فسلما عليه فقال: من أنتما؟ فقالا: رسولا عيسى عليه السلام يدعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فقال: أمعكما آية؟ قالا: نعم نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى فقال: إن لي ابنًا مريضًا منذ سنين قالا: فانطلق بنا ننظر حاله فأتى بهما إلى منزله فمسحاه فقام في الوقت بإذن الله تعالى صحيحًا ففشا الخبر في المدينة وآمن حبيب النجار، وشفى الله تعالى على أيديهما كثيرًا من المرضى وكان لهم ملك اسمه أنطيحس وكان من ملوك الروم فانتهى الخبر إليه فدعاهما فقال لهما: من أنتما؟ فقالا: رسولا عيسى عليه السلام قال: وفيما جئتما؟ قالا: ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر قال: أولنا إله دون آلهتنا؟ قالا: نعم من أوجدك وآلهتك فقال: قوما حتى أنظر في أمركما وأمر بحبسهما وجلد كل واحد منهما مائة جلدة، فلما كذبا وضربا بعث عيسى عليه السلام رأس الحواريين شمعون الصفار على أثرها لينصرهما، فدخل البلد متنكرًا وجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به وأوصلوا خبره إلى الملك فدعاه فرضي عشرته وأنس به وأكرمه، ثم قال له ذات يوم: أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعوا إلى غير دينك فهل كلمتهما وسمعت قولهما؟ فقال الملك: حال الغضب بيني وبين ذلك قال: فإن رأى الملك دعاهما حتى نطلع على ما عندهما فدعاهما الملك فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى هاهنا؟ قالا: الله تعالى الذي خلق كل شيء وليس له شريك فقال لهما شمعون: فصفاه وأوجزا قالا: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال لهما شمعون: وما آيتكما؟ قالا: ما يتمنى الملك فدعا بغلام مطموس العينين موضع عينيه كالجبهة فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما فتعجب الملك فقال شمعون للملك: أرأيت إن سألت إلهك يصنع مثل هذا حتى يكون لك الشرف ولآلهتك؟ فقال الملك: ليس لي عنك سر إن إلهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع، وكان شمعون إذا دخل الملك على الصنم يدخل بدخوله ويصلي كثيرًا ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم، ثم قال الملك لهما: إن قدر إلهكما الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما قالا: إلهنا قادر على كل شيء فقال الملك: إن هنا ميتًا مات منذ سبعة أيام ابن لدهقان وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه، وكان غائبًا فجاءوا بالميت وقد تغير وأروح فجعلا يدعوان ربهما علانية وجعل شمعون يدعو ربه سرًا، فقام الميت وقال: إني دخلت سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله تعالى، ثم قال: فتحت أبواب السماء فرأيت شابًا حسنًا يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك: ومن الثلاثة؟ قال: شمعون وهذان وأشار إلى صاحبيه فتعجب الملك لما علم، فلما علم شمعون أن قوله أثر في الملك أخبره بالحال ودعاه فآمن الملك وآمن قوم وكفر آخرون، فمن لم يؤمن صاح عليهم جبريل فهلكوا.
وقيل: أن ابنة الملك كانت قد توفيت ودفنت فقال شمعون للملك: اطلب من هذين الرجلين أن يحييا ابنتك فطلب الملك منهما ذلك فقاما وصليا ودعوا الله تعالى وشمعون معهما في السر فأحيا الله تعالى المرأة، ثم انشق القبر عنها فخرجت وقالت: أسلموا فإنهما صادقان قالت: ولا أظنكم تسلمون ثم طلبت من الرسولين أن يرداها إلى مكانها فذرا ترابًا على رأسها فعادت إلى قبرها كما كانت، وقال ابن إسحاق عن كعب ووهب: بل كفر واجتمع هو وقومه على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيبًا وهو على باب المدينة بالأقصى، فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين.